دفء الشتاء      بالتخطيط والمتابعة نستقبل عام 2013      لقائنا السنوي مع فرق الجمعية      جمعية صناع الحياة فريق البحث الاجتماعي يبدأ العمل      جمعية صناع الحياة -- بأيدينا نرسم...و بالخير نرسم أيدينا      جمعية صناع الحياه خفض ضريبة دخلك      جمعية صتاع الحياه متطوعون مع الايتام      طلاب امريكيون ....وصناع الحياة      جمعية صتاع الحياة - إفطارات الأيتام      جمعية صناع الحياة - حفل تكريم صانعي الحياة
مقالات الجمعية
د. المسيري : صناع الحياة نقلة مهمة يحتاجها المجتمع



الكاتب: مقال لكاتب مميز


ثمة تضارب في الآراء بخصوص ظاهرة عمرو خالد، وهو ظاهرة بأي مقاييس، سببت الحزن للبعض والفرح للكثيرين، وكاتب هذه السطور لا يعرف خلفية عمرو خالد الدينية أو الثقافية، ولكنني أعرف أنه لم يأت من داخل المؤسسة الدينية رغم معرفته بأساسيات منظومتنا الدينية وكثير من تفاصيلها، وهو ليس فقيها ولا بمفتٍ ولا يدعي ذلك، وهو ليس داعية بالمعنى التقليدي، ولا أعرف مدى إلمامه بالتراث الفقهي، ولكنني أعرف أنه أنجز شيئا مهما وهو أنه توجه لقطاع من شباب المجتمع المصري لم يتوجه له أحد من قبل، وأنه تواصل معهم من خلال لغتهم وخطابهم.

لكل ما تقدم قررت أن أدرس الظاهرة بنفسي، فجلست مع عدد من الشباب الذين تأثروا بفكره ووجدت أنه بالفعل ظاهرة جديرة بالاهتمام والتشجيع، وجديرة أيضا بالنقد، فنحن لا نتوجه بالنقد لشخص يتحدث عن عذاب القبر لأن رؤيته - إن كان يمكن تسميتها كذلك - لا تستحق المناقشة. ولأعقد مقارنة بين خطاب عمرو خالد وخطاب المتحدثين عن عذاب القبر وما شابه من موضوعات.

الرواية "القوطية" والخطاب الدعوي
 
بدأت الحركة الرومانتيكية في العالم الغربي في منتصف القرن الـ 18 في الوقت الذي سادت فيه الرؤية العقلانية المادية كنوع من رد الفعل التلقائي، ظهرت الروايات "القوطية" التي توجد فيها شخصيات نمطية ذات بعد واحد، تتحرك في عالم مظلم كله مفاجآت مخيفة، وتضم هذه القصص عادة شخصا شريرا - في غاية الشر - يطارد فتاة بريئة - في غاية البراءة بل السذاجة التي تقترب من البلاهة - ولا ينقذها سوى شاب خير مستقيم - في غاية الاستقامة وبلا خيال ويثير الملل - وقد سميت هذه الروايات "قوطية" نسبة إلى معمار الكنائس القوطية الذي ساد العصور الوسطى في الغرب، والذي كان يبعث الرهبة في النفوس بسبب ارتفاع جدرانه وأعمدته ونوافذه الملونة التي لا تسمح بمرور الضوء، وإن كانت تسمح بمررو صور القديسين ودماؤهم تسيل وصور الصلب.

وقد ظهرت الروايات القوطية في البلاد البروتستانتية، ولذلك نجد أن الشخصيات الكاثوليكية التي ترد فيها تتسم بالشر والرموز الكاثوليكية تشير إلى العنف والهيمنة، وهذه الروايات تركت أثرها علينا في أفلام يوسف وهبي القديمة "الميلودرامية" وفي بعض الأفلام الأخرى.

وكان الهدف من مثل هذه الروايات أن يهرب الإنسان من العالم المادي إلى شيء مثير للخيال والعواطف التي يهمشها العقل المادي، وهذا - في رأيي - ما نجده في الكتب التي تتناول الحياة البرزخية وعذاب القبر والثعبان الأقرع وأهوال الجحيم، فخطاب من يتحدث عن مثل هذه الأمور يمكن أن نطلق عليه الخطاب الإسلامي القوطي - إن صح التعبير - وهو موجه بالدرجة الأولى للبسطاء من الناس، فيدخل على حياتهم قدرا من الإثارة التي تنسيهم حياتهم الرمادية والقهر الذي يعيشون فيه، فالحديث عن الثعبان الأقرع أمر مثير للخيال مثل أي فيلم مرعب، لكن مشكلته أنه يفرغ الشحنة الإيمانية دون مضمون أخلاقي وإنتاجي، ويرسخ لمبدأ الخلاص الفردي.

هروب مقنع من الواقع

إن "الخطاب الإسلامي القوطي" يشبه في كثير من النواحي القصص البوليسية التي تنتهي بالجملة التقليدية "الجريمة لا تفيد"، ولكن الهدف الحقيقي لهذه القصص هو "الأكشن" والجريمة، أما الجملة الأخلاقية إياها فوظيفتها أنها تريح ضمائرنا بعد أن تمتعنا بمناظر الدم والقتل، وبعد أن تهز كياننا من خلال الرعب المنفصل عن القيمة، وبعد تمتعنا به أيما تمتع.

إن مثل هذا الخطاب هو دعوة للانسحاب من الحياة الحقيقية، وفرار إلى عالم خيالي مريح، لا علاقة له بأي واقع، وهو في هذا يشبه فصل العبادات عن المعاملات، بحيث يتفرغ الإنسان للعبادات على حساب مسئوليته الاجتماعية، وهذا النوع من الخطاب - وليس الدين نفسه - هو الذي يمكن أن نطلق عليه أفيون الشعوب.

إن اللجوء إلى الغيبيات دون مضمون أخلاقي هو أحد سمات العلمانية الشاملة، فالإنسان العلماني يريد ميتافيزيقا دون أعباء أخلاقية، تماما مثل الإيمان بالأطباق الطائرة أو العرافين أو بقراءة الكف، فالإيمان بمثل هذه الغيبيات العلمانية لا يكلف شيئا، إذ إن المؤمن بها ليس عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، والخطاب الإسلامي القوطي يدور في هذا الإطار.

أنا لا أدعي أن كل الدعاة على هذه الشاكلة، فهناك الكثير من الدعاة يتسم خطابهم بالعمق، ولكن معظم الدعاة "الشعبويين" الذي يصلون إلى الآلاف إما مباشرة أو من خلال "الكاسيتات" وبعض القنوات الفضائية يدورون في إطار الخطاب القوطي، وإن كان التأثير السلبي هو بسبب الإلحاح على عذاب القبر والتمحور حوله وليس بسبب الإيمان به.

دعوة لنهضة شاملة

خطاب عمرو خالد له فرادته الخاصة، فهو يتحدث عن الواقع وعن النهضة وعن التغيير وربط نهضة الأمة بكل ما أمر الله.

ومع هذا يمكن القول إن خطاب عمرو خالد له فرادته وسماحته الخاصة، ولذا فهو يشكل نقطة مهمة يحتاج إليها المجتمع، فهو يتحدث عن الواقع وعن النهضة وعن التغيير وربط نهضة الأمة بكل ما أمر الله وإرادة الأمة والأفراد، أي أنه يوازن بين الفرد والمجتمع، ومن هنا تأكيده على الآية الكريمة (إن الله لا يُغيِّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، فهي تبين أن الله يملك كل شيء ولكنه أعطانا حرية تغيير أنفسنا.

ووالنهضة في تصوره نهضة في كل المجالات، فهي تضم مخترعين وبحثا علميا ومهندسين وطلاب علم، مما يؤدي في نهاية الأمر إلى انتعاش اقتصادي، أي أن النهضة ليست اقتصادية أو سياسية وحسب، بل هي نهضة شاملة، وهو يتعامل مع العام والخاص، ويربط الواحد بالآخر، إن جوهر الإسلام هو هذه الثنائية التفاعلية بين الله والإنسان، بين السماء والأرض، بين الرجل والمرأة، بين العبادات والمعاملات، بين الثوابت الأزلية والحياة اليومية المتغيرة.

وثمة شيء آخر مهم، وهو حديثه عن المستقبل والحلم، وأتذكر أن الأستاذ هيكل حين سافر إلى الاتحاد السوفيتي رجع وتنبأ بسقوطه، فسألته لِمَ؟ قال : لقد فقدوا الحلم. فالإنسان الذي لا يحلم لا يمكنه أن يتجاوز حدود واقعه مهما كان سيئا، ولذا فهو لا يستطيع أن يغير مجتمعه ويصلح من شأنه، وبسبب غياب الحلم يعيش في حالة الاكتئاب، وبخاصة أن كثيرا مما في حياتنا الآن يدعو للاكتئاب.

وقد لاحظت أن عمرو خالد يتحدث عن النفس البشرية وثوابتها وضرورة فهمها والتعبير عنها، فعلى سبيل المثال كرس إحدى الحلقات للحديث عن الترابط الأسرى والطمأنينة التي يبعثها هذا الترابط في القلوب، وضرورة أن يتواصل الأب مع زوجته وأولاده وبناته، وأن يعبر لهم عن حبه، ثم شفعها بحلقة أخرى عن الحياة الأسرية للرسول عليه الصلاة والسلام، ومدى تراحمه مع أهله وعشيرته، وهو بذلك يولد من السنة الشريفة ما يفيدنا في أيامنا هذه، الأيام التي تشاهد سيطرة النزعة الاستهلاكية علينا جميعا، وهرولتنا لجمع المال لننفقه في سلع نريدها فننسى كثيرا من إنسانيتنا بل حتى فطرتنا الإنسانية نفسها، وقد عرفت زوجتي الحداثة المنفصلة عن القيمة (Value free modernity) التي هيمنت على العالم بأنها فصل كل العلاقات الكونية وعلاقات القرابة والجيرة وصلة الرحم عن الإنسان، وجعلها خاضعة للتفاوض.

خطاب متسامح
 
كما أشار عمرو خالد إلى قضية في غاية الأهمية، فقد لاحظت أن الخطاب الإسلامي يركز على وقائع الانتصار مثل فتح مكة والفتوحات الأخرى، إلا أنه ينسى أو يتناسى ما أظهره الرسول من عفو مع أعدائه وكيفية معاملته لهم، كما أنهم لا يتحدثون إلا في القليل النادر عن مدى سماحة الفتح الإسلامي، ومدى تقبله لحضارات البلاد التي تم فتحها، وهو لا يكف عن الإشارة لهذا الجانب في الإسلام، وملاحظاته في هذا الشأن غاية الذكاء، وهذا في تصوري شيء جديد على الخطاب الدعوي، فمعظم الدعاة يدورون في إطار فكرة القانون وضرورة تطبيقه بصرامة، متصورين أن هذا كاف للقضاء على الشر، متناسين أننا نؤمن بإله عادل رحمن رحيم.

وتأكيد عمرو خالد على أشياء مثل الحب الإلهي والنبوي، والتضحية، والإحسان، والحب، كلها مفردات جديدة على الخطاب الدعوي والإسلامي.

ويستخدم عمرو خالد مصطلحا حديثا يمكن للشباب في العصر الحديث التواصل معه، كما أنه يبعث الأمل في النفوس، فبدلا من الثعبان الأقرع نجده في إحدى الحلقات يستخدم صورة الطيارة والإقلاع، وهذا له دلالة، فصورة الثعبان الأقرع مستمدة من عالم الطبيعة التي لم تهذبها يد الإنسان ولم تدخلها عالم الحضارة، وهي لهذا السبب تولد الفزع والخوف وعدم الأمن، أما صورة الطائرة فتولد الطمأنينة والثقة في الذات والرغبة في النهوض.

ويمكن أن أشير إلى شيء ظريف، وهو أنه كثيرا ما يبتسم بل يضحك أحيانا حينما يعظ، ولا أذكر أنني رأيت أيا من الدعاة التقليديين يضحك، وكأن الإسلام مرتبط بالخوف والتجهم والنار والرعب من الجحيم... إلخ، أعترف أنني غير متبحر في التراث الديني، ولكنني قرأت أكثر من مرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بانت نواجذه.

ومن سمات خطابه الأخرى أنه يحوي الكثير من القصص والطرائف المستمدة إما من السنة أو التراث الديني، وهو حكاء جيد، الأمر الذي يساعد على توصيل الرسالة التي وراء القصة أو الطرفة.

إن ظهور خطاب عمرو خالد شيء مهم، ويدل على قدر عال من الذكاء وعلى فهم اللحظة الحضارية، ويمكن في مرحلة لاحقة تعميق خطابه الدعوي، وهذا ما يفعله، وذلك بدلا من ترك الشباب بلا رابط أو هدف.

تفعيل للمجتمع المدني

وأحسن وصف لظاهرة عمرو خالد أنه جزء من حركة تفعيل المجتمع المدني، لقد اكتشفنا - خاصة في الستينيات - أن الديمقراطية تقلع إن لم يساندها مجتمع مدني قوي، وعبر تاريخ المسلمين كانت الدولة المركزية قوية، ولكنها كانت قوية في المركز وحسب، فكانت مسئولة بالأساس عن الأمور السيادية مثل : الأمن الداخلي والخارجي والبريد والخراج، ولكن في الأطراف والقرى والنجوع كان هناك الفقهاء والعلماء والأعيان الذي كانوا يتمتعون بقدر كبير من الاستقلال.

كما كانت توجد مؤسسة الأوقاف التي لا سلطة للدولة عليها، كل هؤلاء كانوا يشكلون مؤسسات وسيطة بين الفرد والدولة، فيقومون بحمايته من سطوتها، ولأنهم كانوا قريبين منه فإنهم كانوا يعرفون احتياجاته، وقد قلص هذا من سلطة الدولة المركزية، فهي مع أية حالة لا يمكنها الوصول للفرد مباشرة، وقد كشفت كل التجارب المهمة في الديمقراطية ضرورة أن يبقى جزء كبير من رقعة الحياة بعيدا عن هيمنة الدولة المركزية، وعمرو خالد يعي ضرورة تنشيط الحافز الفردي بهدف توظيفه في المجتمع، أي أنه يعترف بفردية الفرد في إطار اجتماعي إسلامي.
 

ولنلاحظ الفرق بين خطاب عمرو وحملة الخطاب القوطي، خطاب عذاب القبر، الفرد عند عمرو خالد لديه إرادة البناء والمقدرة على تغيير ذاته وإصلاح المجتمع في ذات الوقت، على عكس المتحدثين عن عذاب القبر، فهم يجعلون منه شخصا متلقيا، ويحولونه إلى كائن يبحث عن الخلاص الفردي وحسب، رغم أن مسألة الخلاص الفردي هذه ليست إسلامية، ولكنها جزء من رؤية غلاة التصوف. نعم كل فرد مسئول وحر، ولكنه جزء من جماعة المسلمين، أي الأمة الإسلامية، ولذا فهناك فرض كفاية وفرض عين، ولذا ليس من المستغرب أنه عندما جاءت لجنة حرية الأديان من الكونجرس الأمريكي أوصت بنشر الفكر الصوفي؛ لأنه يسرب طاقة المجتمع الإبداعية والثورية من خلال قنوات فردية، فتجعل كل فرد مشغولا بنفسه، بينما يتفكك المجتمع ويسقط.

تجنب الصخور السلطوية
 
من الواضح أن عمرو خالد واع لأن أي ظاهرة إنسانية لها أبعادها السياسية والاجتماعية، ومن ثم تجده في بعض الحلقات يتحدث عن السد العالي وتأميم القناة بطريقة إيجابية تدل على أن روح المقاومة متقدة داخله، رغم أنه يحاول إخفاءها. ولكن في الوقت نفسه يمكن القول إن الرجل يفضل الابتعاد عن السياسة بالمعنى اليومي والمباشر حتى لا يصطدم بالحكومة، وهي وجهة نظر قد لا أوافق عليها، ولكنها يجب أن تحترم على أية حال، فأحيانا بعد حسابات المكسب والخسارة يكون التحايل والتضحية بما هو صغير الشأن من أجل ما هو عظيم الشأن دون التنازل عن المبادئ والمرتكزات الأساسية ضرورة في مواجهة أنظمة غاشمة.

عمرو خالد يحاول أن يبحر في أماكن ليس بها صخور سلطوية ولا حيتان شمولية، في عصر زادت فيه الصخور والحيتان. وما حققه الرجل من مكاسب من خلال مشاريع مثل "صناع الحياة" - وهي في النهاية ذات طابع سياسي واقتصادي غير مباشر - تجعل من بعض التنازلات التفصيلية أمورا يمكن التغاضي عنها.

قيم تحتاج لتأكيد

ولكن استغربت حديثه عن البطالة، فقد وصف الإنسان العاطل في إحدى حلقاته بأنه كسول، وهذا أمر غير حقيقي وغير منطقي، حيث إن سوق العمل في مصر لا يستوعب معظم الشباب، ومعدل البطالة في مصر أعلى المعدلات، ولذا فتفسير البطالة على أنها كسل هو تأكيد متطرف للإرادة الفردية على حساب الظروف الاجتماعية، أما كسل الموظفين الحكوميين فهناك القول الشهير : "الحكومة تتظاهر بأنها تدفع لنا رواتب، ونحن نتظاهر بأننا نعمل في مكاتبنا"، ولعله يقول ما يقول ليستنهض الهمم، فهذا جزء من خطابه النهضوي.

لقد استطاع عمرو خالد مخاطبة قطاع معين من الناس من خلال تطوير خطاب بسيط يؤكد قيما مثل : النجاح والتمتع بخيرات الدنيا والتراحم والمحبة، ولكنني أرجو منه توكيد بعض الجوانب الأخرى في المنظومة الإسلامية مثل العدل، وهو القيمة القطب في الإسلام، والذي يجب أن يترجم إلى عدل اجتماعي، ومن هنا تأتي أهمية الزكاة والصدقة، وأنا أذهب إلى أن الخطاب الإسلامي لا بد أن يحذّر من خطورة الاستهلاكية، وضرورة الابتعاد عن الاستهلاك غير الرشيد.

أنا لا أدعو للتقشف فلا رهبنة في الإسلام، ولكن يجب على الدعاة التنبه إلى أن الاستهلاكية هي أهم شكل من أشكال الاختراق العلماني، فهي تقوض الأخلاق، وتقوض كل شيء إيجابي في المجتمع، وحين تصبح هي القيمة الأساسية في المجتمع فإنها تهمش كل القيم الأخرى أو تستوعبها داخل إطارها، أي أنها أهم آلية من آليات العلمنة، والتي يمارسها الجميع تحت مظلة أن ما يستهلك حلال.

ويوجد داخل المنظومة الإسلامية تحذيرات كثيرة من الاستهلاكية، فنحن أمة وسط، والوسط هنا ليس مجرد موقف يسمى معتدلا بين طرفين متطرفين يمين وشمال، وإنما هو موقف مبدئي من الحياة، لا إفراط فيه ولا تفريط، ويترجم نفسه إلى العدل بالمعنى العريض للكلمة : (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) [الإسراء:29]، (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) [الأعراف:31]، (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) [الفرقان:67]،وفي السنة المطهرة : "ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات أو لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه"، وفي حديث آخر : "إن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة".

إن المفاهيم الإسلامية الحاكمة - إن فهمناها حق الفهم - تقف ضد الإسراف، فمفهوم الاستخلاف يعني أن هذا العالم ليس ملكنا وإنما استُخلفنا فيه، ومن ثم يجب ألا نبدده بإسرافنا واستهلاكاتنا، وإنما يجب أن نعمره حتى يمكن للأجيال القادمة أن تعمره وتستمتع بخبراته، وقد أمر الإسلام المسلم بالاقتصاد ومراعاة الاعتدال حتى في العبادة من صلاة وصيام، المنظومة الإسلامية يمكن أن تشكل نقطة انطلاق للوقوف ضد الاستهلاكية التي ثبت أنها ستودي بالعالم.

والله أعلم.

 

بقلم - د. عبد الوهاب المسيري

تعليقات القراء
لايوجد تعليقات
أضف تعليقا
الحقول المسبوقة بعلامة (*) هي حقول إجبارية.
* الإسم :
البريد الإلكتروني :
* نص التعليق :
أرسل